فصل: فَصْلٌ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ:

وَأَمَّا الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ فَأَنْوَاعٌ:
(مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبِيَاعَاتِ لَا يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ، فَإِذَا هُوَ حُرٌّ؛ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، أَوْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ بِعَيْنٍ وَلَا دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي بَعْضِ الْأَعْوَاضِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ مُطْلَقًا جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَاسْتِحْقَاقًا كَالْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْعَقَارِ مِنْ الْأَرْضَيْنِ وَالدُّورِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَكِيلِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ دَيْنًا، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِ سِوَى الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ وَالثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ وَالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَيْسَ بِعَيْنٍ، وَلَا دَيْنٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً وَالصُّلْحُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ عَنْ إنْكَارِهِ، أَوْ عَنْ سُكُوتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَصَالَحَ مِنْهَا عَنْ إقْرَارٍ يَجُوزُ سَوَاءً كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ إلَّا الْحَيَوَانُ، وَإِلَّا الثِّيَابُ إلَّا بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَكَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ عَيْنًا كَانَتْ، أَوْ دَيْنًا إلَّا الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ أَصْلًا، وَالثِّيَابُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ، وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ أَجْلٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرْفٍ وَلَا فِي تَرْكِ قَبْضِهِ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، بَلْ هُوَ افْتِرَاقٌ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَصَالَحَ مِنْهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ (إمَّا) إنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِهَا، أَوْ عَلَى جِنْسِهَا، فَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِهَا فَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى عَيْنٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهَا فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى دَيْنٍ سِوَاهُ؛ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانٌ أَبَدًا، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَبِيعٌ فَالصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَقَعُ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى جِنْسِهَا، فَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَرَاهِمَ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ، أَوْجُهٍ.
(إمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ (وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ.
(وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ جِيَادٍ، فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِيفَاءُ عَيْنِ حَقِّهِ أَصْلًا وَوَصْفًا.
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ الْجِيَادِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ يَجُوزُ أَيْضًا، وَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَعْضِ عَيْنِ الْحَقِّ أَصْلًا وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْبَاقِي أَصْلًا وَوَصْفًا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ.
وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ؛ يُؤَدَّى إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَأَنَّهُ رِبًا، فَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَاقِي، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِيَكُونَ صَرْفًا، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ، أَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا، بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ يَجُوزُ، وَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ، وَالْحَطُّ وَالْإِبْرَاءُ وَالتَّجَوُّزُ بِدُونِ الْحَقِّ أَصْلًا وَوَصْفًا؛ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَمُؤَجَّلًا.
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ، أَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبَا؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَا لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى أَلْفٍ جِيَادٍ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ، أَوْ التَّقَابُضُ حَتَّى لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مُؤَجَّلًا إنْ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.
(وَأَمَّا) إذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَصْفًا، وَأَقِلَّ مِنْهُ قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجُوزُ، ثُمَّ رَجَعَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَطُّ بَعْضِ حَقِّهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ إلَّا أَنَّهُ أَحْسَنَ فِي الْقَضَاءِ بِخَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ؛ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْأَلْفِ النَّبَهْرَجَةِ عَلَى الْخَمْسمِائَةِ الْجَيِّدَةِ اعْتِيَاضٌ عَنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَيِّدُهَا، وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لِسُقُوطِ قِيمَتِهَا شَرْعًا، وَالسَّاقِطُ شَرْعًا، وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ اسْتِيفَاءً لَعَيْنِ الْحَقِّ، أَوْ يُجْعَلَ مُعَاوَضَةً لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرَّدِيءِ لَا فِي الْجَيِّدِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَصِيرُ بَائِعًا أَلْفًا نَبَهْرَجَةً بِخَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ فَيَكُونُ رِبًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الدَّنَانِيرِ، وَالصُّلْحُ مِنْهَا عَلَى دَنَانِيرَ كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ، أَوْ مِنْ دَنَانِيرَ عَلَى دَرَاهِمَ؛ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.
وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمِائَةَ دِينَارٍ، فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ؛ جَازَ، وَطَرِيقُ جَوَازِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ حَطًّا لَا مُعَاوَضَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُعَاوَضَةً؛ لَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضُ الْمِائَةِ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ، وَالْبَعْضُ عِوَضًا عَنْ الدَّرَاهِمِ، فَيَصِيرُ بَائِعًا تِسْعَمِائَةٍ بِخَمْسِينَ، فَيَكُونُ رِبًا، وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا لِلدَّنَانِيرِ أَصْلًا، وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ تِسْعُمِائَةٍ، وَتَأْجِيلُ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُرٍّ، فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ جَازَ، وَطَرِيقُ جَوَازِهِ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا وَإِسْقَاطًا لِلْكُرِّ لَا مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَ الْمُسْلِمِ فِيهِ لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالَانِ عَلَيْهِ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ، وَطَرِيقَةُ جَوَازِهِ أَنْ يُعْتَبَرَ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا وَحَطًّا، وَإِسْقَاطًا فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَذَلِكَ أَنْ يُقَسَّمَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ دَيْنِهِمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، فَالْقَدْرُ الَّذِي أَصَابَ الدَّنَانِيرَ يَكُونُ عِوَضًا عَنْهَا فَيَكُونُ صَرْفًا، فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الصَّرْفِ، فَيَشْتَرِطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَالْقَدْرِ الَّذِي أَصَابَ الدَّرَاهِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَيُجْعَلُ الصُّلْحُ فِي حَقِّهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِبْرَاءً عَنْ الْبَاقِي، وَالْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ مَتَى وَقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ يُعْتَبَرُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِبْرَاءً عَنْ الْبَاقِي، وَمَتَى وَقَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْهَا، أَوْ وَقَعَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْنِ الْحَقِّ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ الْحَقِّ مِنْ جِنْسِهِ يَكُونُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً فَمَا جَازَتْ بِهِ الْمُعَاوَضَاتُ يَجُوزُ هَذَا، وَمَا فَسَدَتْ بِهِ تِلْكَ؛ يَفْسُدُ بِهِ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَسَائِلِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ؛ جَازَ، وَيُعْتَبَرُ حَطًّا لِلْحُلُولِ، وَتَأْجِيلًا لِلدَّيْنِ، وَتَجَوُّزًا بِدُونِ مِنْ حَقِّهِ لَا مُعَاوَضَةَ.
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَيُعْتَبَرُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِبْرَاءً عَنْ الْبَاقِي.
وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ (إمَّا) إنْ وَقَّتَ لِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ وَقْتًا (وَإِمَّا) إنْ لَمْ يُوَقِّتْ فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَيَكُونُ حَطًّا لِلْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَلَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ، فَكَانَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْحَطُّ عَلَى هَذَا بِأَنْ قَالَ لِلْغَرِيمِ حَطَطْتُ عَنْكَ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ وَقَّتَ بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُكَ عَلَى خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِيهَا الْيَوْمَ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَهَا الْيَوْمَ فَأَمَّا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى شَرْطِ الْعَدَمِ.
وَأَمَّا إنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ تُعْطِنِي الْيَوْمَ، أَوْ إنْ لَمْ تُعَجِّلْ الْيَوْمَ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَهَا الْيَوْمَ، فَالْأَلْفُ عَلَيْك فَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ، وَعُجِّلَتْ فِي الْيَوْمِ، فَالصُّلْحُ مَاضٍ، وَبَرِئَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ، فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ الْحَطُّ عَلَى هَذَا.
(وَأَمَّا) إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى شَرَطِ الْعَدَمِ فَإِنْ أَعْطَاهُ فِي الْيَوْمِ بَرِئَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْطِهِ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الصُّلْحُ مَاضٍ، وَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ فَقَطْ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ مَا أَفَادَهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَكَانَ ذِكْرُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ؛ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ نَفْعَلْ فَكَذَا؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى عَدَمِ الشَّرْطِ نَفْيٌ لِلْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَكَانَ مُفِيدًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ بِتَصَرُّفِهِ الْإِفَادَةَ دُونَ اللَّغْوِ وَاللَّعِبِ وَالْعَبَثِ.
وَلَوْ حُمِلَ الْمَذْكُورُ عَلَى ظَاهِرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ لَلَغَا؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ ثَابِتٌ بِدُونِهِ فَيُجْعَلُ ذِكْرُ شَرْطِ التَّعْجِيلِ ظَاهِرًا شَرْطًا لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْجِيلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَقَالَ، فَإِنْ لَمْ تُعَجِّلْ فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا.
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا تَعْلِيقُ الْعَقْدِ، كَمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِدُخُولِ الشَّرْطِ عَلَى الْفَسْخِ لَا عَلَى الْعَقْدِ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا، وَشَرَطَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَفِّهِ خَمْسَمِائَةٍ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ كُلُّ الْمَالِ، وَهُوَ الْأَلْفُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ إنْ لَمْ يُوَفِّهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ إيفَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ شَرْطًا لِلْكَفَالَةِ بِأَلْفٍ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثَبَتَ الْمَشْرُوطُ.
وَلَوْ ضَمِنَ الْكَفِيلُ الْأَلْفَ، ثُمَّ قَالَ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُوَفِّيَنِي رَأْسَ الشَّهْرِ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْكَ فَهَذَا أَوْثَقُ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُنَا عَلَّقَ الْحَطَّ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، وَهُوَ إيفَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ رَأْسَ الشَّهْرِ، وَجَعَلَ عَدَمَ هَذَا الشَّرْطِ شَرْطًا لِانْفِسَاخِ الْحَطِّ، وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ جَعَلَ عَدَمَ التَّعْجِيلِ شَرْطًا لِلْعَقْدِ، وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْأَلْفِ، وَالْفَسْخُ لِلشَّرْطِ أَقْبَلُ مِنْ الْعَقْدِ لِذَلِكَ كَانَ الثَّانِي أَوْثَقَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ الْمَالَ نُجُومًا بِكَفِيلٍ، أَوْ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَشَرَطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَفِّهِ كُلَّ نَجْمٍ عِنْدَ مَحَلِّهِ، فَالْمَالُ حَالٌّ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِخْلَالَ بِنَجْمٍ شَرْطًا لِحُلُولِ كُلِّ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَالَ: أَدِّ إلَيَّ مِنْ الْأَلْفِ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا يَبْرَأُ مِنْ الْبَاقِي إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي، أَوْ قَالَ: مَتَى أَدَّيْتَ فَأَدِّ إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ حَتَّى يُبْرِئَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِمُكَاتَبِهِ ذَلِكَ فَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي حَتَّى يُبْرِئَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِالشَّرْطِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَوْ الْحَطِّ أَوْ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ، فَصَالَحَ مِنْهَا فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ عَلَى تَمَامِ حَقِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ قَدْرًا وَوَصْفًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ جَازَ، وَيَكُونُ حَطًّا، وَتَجَوُّزًا بِدُونِ حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ حِلِّ الْأَجَلِ، وَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبْضَ وَالرُّجُوعُ بِرَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ حِلِّ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُعَاوَضَةَ الْأَجَلِ، وَهُوَ التَّعْجِيلُ بِالْحَطِّ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى تَمَامِ حَقِّهِ؛ جَازَ، وَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَإِنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى أَلْفٍ مُعَجَّلَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الدَّنَانِيرِ عَلَى هَذَا.
وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيمَةِ، فَصَالَحَ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْمُتْلَفِ صُورَةً وَمَعْنًى كَذَا الِاسْتِهْلَاكُ تَحْقِيقًا لِلْمَاثِلَةِ الْمُعَلَّقَةِ، ثُمَّ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَإِذَا صَالَحَ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ عَلَى عَيْنِ حَقِّهِ فَيَجُوزُ عَلَى أَيْ وَصْفٍ كَانَ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إنْ كَانَ عَيْنًا؛ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا مَوْصُوفًا يَجُوزُ أَيْضًا لَكِنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ.
وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِثْلَ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ فَحُكْمُ الصُّلْحِ فِيهِ كَحُكْمِ الصُّلْحِ فِي كُرِّ الْحِنْطَةِ فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا بِأَنْ كَانَ كُرَّ حِنْطَةٍ مِثْلًا، فَصَالَحَ مِنْهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ.
(أَمَّا) إنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ، أَوْ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
(أَمَّا) إنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ.
(وَأَمَّا) عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ.
(وَأَمَّا) إنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا جَازَ، وَيَكُونُ حَطًّا لَا مُعَاوَضَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّرَاهِمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَيَكُونُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، وَصْفًا لَا قَدْرًا؛ جَازَ أَيْضًا، وَيَكُونُ اسْتِيفَاءً لَعَيْنِ حَقِّهِ أَصْلًا، وَإِبْرَاءً لَهُ عَنْ الصِّفَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضِ، وَيَجُوزُ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِالتَّأْجِيلِ أَوْ تَرْكِهِ، وَيُعْتَبَرُ رِضًا بِدُونِ حَقِّهِ.
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا، أَوْ قَدْرًا لَا وَصْفًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ كُرٍّ رَدِيءٍ عَلَى كُرٍّ جَيِّدٍ جَازَ وَيُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً احْتِرَازًا عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى كُرٍّ مُؤَجَّلٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ حَقَّهُ فِي الْحُلُولِ، وَرَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ هَذَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ الدَّيْنِ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَصَالَحَ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ، أَوْ عَلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ هَذَا إذَا صَالَحَ مِنْ الْكُرِّ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ الْكُرُّ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَمًا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَفِيهِ اسْتِبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ إقَالَةً لِلْمُسْلِمِ، وَفَسْخًا لَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا فَصَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ مُعِينًا مُشَارًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ تَرْكُ قَبْضِهِ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَهُوَ عَيْنٌ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ جَازَ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبِيعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُوبِلَ بِالْأَثْمَانِ، وَالْمَبِيعُ مَا يُقَابِلُ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُقَابِلُ بِالثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا أَنَّهُ لابد مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ احْتِرَازًا مِنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَجُوزُ فِي الثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لَكِنْ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطُ احْتِرَازٍ عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَوْزُونًا دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَصَالَحَ مِنْهُ عَلَى جِنْسِهِ أَوْ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَكِيلِ الْمَوْصُوفِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ.
فَإِنْ كَانَ ثَوْبَ السَّلَمِ فَصَالَحَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ (إمَّا) إنْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى جِنْسِهِ، وَإِمَّا إنْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ؛ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
(إمَّا) إنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ؛ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا، أَوْ وَصْفًا لَا قَدْرًا يَجُوزُ، وَيَكُونُ هَذَا اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ عَيْنِ حَقِّهِ، وَحَطًّا لِلْبَاقِي، وَإِبْرَاءً عَنْهُ أَصْلًا وَوَصْفًا، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفِ ثَوْبٍ جَيِّدٍ؛ جَازَ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِينَ بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ، أَوْ صَالَحَ مِنْ كُرٍّ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفِ كُرٍّ جَيِّدٍ، أَوْ صَالَحَ مِنْ حَدِيدٍ رَدِيءٍ عَلَى نِصْفٍ مِنْ جَيِّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ هُوَ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْجَوْدَةِ هُنَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابِلَتِهَا بِجِنْسِهَا لَهَا قِيمَةٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْجَوْدَةُ مُتَقَوِّمَةً فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ يُبْذَلُ الْعِوَضُ فِي مُقَابِلَتِهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ تَعَبُّدًا بِقَوْلِهِ جَيِّدُهَا، وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ، فَبَقِيَتْ مُتَقَوِّمَةً فِي غَيْرِهَا عَلَى الْأَصْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ جَيِّدَيْنِ يَجُوزُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، فلابد مِنْ الْقَبْض لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَيِّدٍ عَلَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ رَدِيئَيْنِ جَازَ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ ثَوْبٍ رَدِيءٍ عَلَى ثَوْبٍ جَيِّدٍ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْن الْحَقّ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَائِنًا مَا كَانَ لَا يَجُوزُ دَيْنًا كَانَ، أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْدَالَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهِ يَكُونُ إقَالَةً، وَفَسْخًا لَا اسْتِبْدَالًا.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى حَيَوَانًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ فَصَالَحَ، فَنَقُولُ الْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ.
(إمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي بَابِ الدِّيَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ فِي الْبَابِ أَصْلًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَالَحَ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ بَعْدَ تَعْيِينِهِ نَوْعًا مِنْهَا، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْمَفْرُوضِ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي بِأَنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَلَى مِائَةِ بَقَرَةٍ، أَوْ عَلَى أَلْفَيْ شَاةٍ، أَوْ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ؛ جَازَ الصُّلْحُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْيِينٌ مِنْهَا لِلْوَاجِبِ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْمَفْرُوضَةِ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ اسْتِيفَاءً لَعَيْنِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ فِعْلًا بِرِضَا الْقَاتِلِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْمَفْرُوضِ يَكُونُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ عَيْنِ الْحَقِّ، وَإِبْرَاءً عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْرُوضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا.
وَلَوْ صَالَحَ بَعْدَ مَا عَيَّنَ الْقَاضِي نَوْعًا مِنْهَا فَإِنْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ جَازَ إذَا كَانَ مِثْلُهُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَفْرُوضِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ عَيَّنَ الْقَاضِي مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَصَالَحَ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرِ، أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، وَتَكُونُ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَعَيَّنَتْ وَاجِبَةً بِتَعْيِينِ الْقَاضِي، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ وَاجِبًا فَكَانَتْ الْبَقَرُ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ مُعَاوَضَةً، ولابد مِنْ الْقَبْضِ احْتِرَازًا عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمَفْرُوضِ بِأَنْ صَالَحَ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ جَازَ، وَيَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى قِيمَةِ الْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْإِبِلِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلِ فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا مُعَاوَضَةً فَيَجُوزُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ دِينًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ إذَا جَاءَ بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ مَنْ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً هَذَا إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْإِبِلِ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ فَصَالَحَ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ سِوَى الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، أَوْ بَقَرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَأَنَّهَا أَثْمَانٌ فَتَتَعَيَّنُ هَذِهِ مَبِيعَةً وَبَيْعُ الْمَبِيعِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ السَّلَمِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى الْمَفْرُوضِ فِي بَابِ الدِّيَةِ فَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ أَصْلًا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ لَهُ فِي الْفَرْضِ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْرُوضِ لَكِنْ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَيَجُوزُ، ولابد مِنْ الْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسُكُوتِهِ بِحُكْمِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارِهِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مَالًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْفَعَةً بِأَنْ صَالَحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ، وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ عَنْ إنْكَارِهِ، أَوْ عَنْ سُكُوتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، وَقَدْ وُجِدَ أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عِوَضٌ عَنْ الْمُدَّعَى، وَكَذَا فِي مَوْضِعِ الْإِنْكَارِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْخُصُومَةِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ مُنْكِرٌ حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا لَكِنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدَّيْنِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْفَعَةً فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا إذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَنَافِعِ إجَارَةً يَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْإِجَارَاتُ، وَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ أَنْ يُعْتِقَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ يَقِفُ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّهُ قَائِمٌ فَأَشْبَهَ إعْتَاقَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمَرْهُونِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ بَعْدَ مِلْكِ الْيَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ.
وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالصُّلْحِ فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مَلَكَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الصُّلْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، كَمَا لَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْمُؤَاجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْأُولَى، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ كَذَا هَذَا، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ خِدْمَتِي السَّفَرِ، وَالْحَضَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْآجِرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُلْزِمُهُ بِرَدِّهِ مُؤْنَةً تَزِيدُ عَلَى الْأُجْرَةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُسَافِرَةَ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هاهنا مُنْعَدِمٌ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْعَبْدَ الْمَرْهُونَ، وَهُمَا يَمْلِكَانِ الْمُسَافَرَةَ بِهِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَارًا فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ سَنَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى الْمُدَّعِي؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِ سَنَةً، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فِي زَعْمِهِ فَيَجُوزُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَنٍّ مِنْ خَلٍّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْمُصَالِحِ حَتَّى إنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى مَالٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُدَّعِي لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِلْمُصَالِحِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْبَدَلِ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتُوجِبُ، فَسَادَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يُفْتَقَرُ إلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ، كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا، ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى أَنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ادَّعَاهُ عَلَى صَاحِبِهِ صُلْحًا مِمَّا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْبَدَلِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ لَعَيْنِهَا بَلْ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِذَا كَانَ مَالًا يُسْتَغْنَى عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إلَّا أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَهُ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الْبَدَلِ، كَمَا تُتَحَمَّل فِي الْمَهْرِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ لِمَا عُلِّمَ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى مُسَيِّلٍ، أَوْ شِرْبٍ مِنْ نَهْرٍ لَا حَقَّ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُحَمِّلَ كَذَا، وَكَذَا جِذْعًا عَلَى هَذَا الْحَائِطِ، وَعَلَى أَنْ يُسَيِّلَ مِيزَابَهُ فِي دَارِهِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مُفْتَقِرٌ إلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَمْ تَكُنْ جَهَالَتُهُ مُحْتَمَلَةً لِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا، فَلَا.